تنبيه
-
أي تواصل معكم من أي بريد الكتروني او رقم هاتف سوى ما ذكرناه في معلومات الاتصال لا يمثلنا!! و لسنا مسؤولين عنه.
ستعادل نتائج الحرب الإقليمية الدائرة الآن في الشرق الأوسط نتائج حرب عالمية ثالثة، وستكون نقطة تحول كبرى في مسار العالم كله، لأن الصراع في الشرق الأوسط يختزل ويعبر عن صراعات وأزمات العالم التي انفجرت مؤخرا بشكل عسكري تشارك فيه جيوش عالمية ومحلية. شكل الحل المفروض عسكريا الذي سيعقب هذه الحرب سيحدد شكل العولمة القادمة. قدر سورية أن تكون في صلب هذا التغيير.
نعرض أولا تسلسل الأحداث التي أدت لطوفان الأقصى الذي جرى بتعليمات إيرانية مدعومة من روسيا:
لم يكن الصراع بين اليهودية والمسيحية والإسلام لاهوتيا ودينيا، بقدر ما كان سياسيا. هذه الديانات متشابهة بنيويا وعقيديا إلى درجة كبيرة، فاليهودية أنتجت المسيحية التي انقسمت إلى مسيحية غربية (بولس) ومسيحية شرقية، ثم جاء الإسلام وسطا بينها وبين اليهودية محاولا توحيدها.
الفوارق بين الديانات سياسية تعبر عن تمايز اقتصادي في بنى وعلاقات الإنتاج. فقد انتشرت المسيحية أساسا في البنى البطريركية الإقطاعية (نمط إنتاج الحاجات وليس للسوق) وكانت سندا وتدعيما لها، بينما انتشرت اليهودية وازدهرت في البنى التجارية والرأسمالية (تجارة وإنتاج للسوق). نجح الإسلام في الدمج بين المدنية التجارية الرأسمالية والبداوة والبنية القبلية، وعبر بامتياز ونجاح عنها سياسيا مستخدما قوة البدو والمدن التجارية. هكذا ساد في عموم المناطق التي يهيمن عليها الطابع البدوي المحيط بالمدن التجارية، بينما سادت المسيحية شمال المتوسط، وتوزع اليهود ليكونوا تجارا بين الإقطاعيات البطريركية أو تجارا في المدن في العالمين المسيحي والإسلامي.
…….
لم يشهد التاريخ صراعا كبيرا بين الإسلام واليهود الذين عاشوا في كنفه كأهل ذمة كما عاش المسيحيون الشرقيون بسلام أيضا. ولكن الصراع السياسي احتدم مبكرا بين الدولة الإسلامية وبيزنطة المسيحية، خاصة بعد القضاء على الدولة الفارسية نهائيا. استمر هذا الصراع بأشكال مختلفة حتى يومنا هذا. تعايشت الأقلية اليهودية في البلدان الإقطاعية المسيحية بشكل منعزل عن نظامها، وبالرغم من الدور الاقتصادي الحيوي بقيت عرضة لموجات من الاضطهاد استمرت حتى اليوم، وذات الوقت كانت شريكا ضروريا ذا نفوذ، خاصة عندما سادت الرأسمالية في أوروبا.
تحولت الكراهية للسامية الناتجة عن المتضررين من القيم الرأسمالية إلى طرد اليهود، مما أدى إلى قيام دولة إسرائيل بين الحربين العالميتين الأولى والثانية. هذا أدى إلى تحول مسار التعاون والتعايش التاريخي بين المسلمين واليهود إلى مسار عدائي صارخ دمر منطقة الشرق الأوسط لصالح الهيمنة الاستعمارية الغربية، بدءًا من وعد بلفور الذي قامت عليه إسرائيل كقاعدة عسكرية للاستعمار البريطاني الفرنسي في قلب الشرق العربي، ثم الأمريكي بعد حرب السويس عام 1956.
تحولت أمريكا لتبني إسرائيل بعد حرب عام 1967، بينما كانت الهولوكوست عاملاً قوياً في قيام دولة إسرائيل. أدى تهجير اليهود الشرقيين إلى فلسطين بعد قيام دولة إسرائيل إلى تصاعد الكراهية في العالم العربي، وتحول الصراع العربي الإسرائيلي إلى حرب أهلية قذرة بين الساميين.
….
خلال العقد الأخير، خاصة بعد الربيع العربي، أصبح العرب جالية أهم من الجالية اليهودية في الغرب، بفعل الهجرات التي تسبب بها انهيار بلدان الشرق الأوسط واندلاع الصراعات فيها، وتحولها تدريجيا إلى حرب أهلية ودول فاشلة.
شهدت الدول الغربية تناميًا في التيارات اليمينية العنصرية، وذلك نتيجة لأزمات بنيوية متزايدة ناتجة عن تقدم الاقتصاد الصيني ومنافسته القوية للاقتصاد الغربي الذي يفرط في الاستهلاك ويغرق في الديون. هذا التحول أدى إلى تخفيف الدعم الغربي لإسرائيل، بسبب عجزه ونمو اليمين فيه، وأيضًا بفعل نشاط منظمات حقوق الإنسان، وتصاعد تيار يهودي عالمي معادي لفكرة الصهيونية، ينادي بالتعايش بين العرب واليهود، وبنسبة أقل في يهود دولة إسرائيل.
بدأت فكرة السلام مع إسرائيل تتنامى بين الشعوب العربية، نتيجة سلوك المنظمات المتطرفة واتساع نفوذ إيران، وتصاعد إجرام النظم المستبدة التي تتاجر بالصراع مع إسرائيل لتبرر استبدادها وتغذي فسادها. تحالفت منظمات التطرف الإسلامي وتنظيم الإخوان العالمي مع إيران التي تلقت الدعم من روسيا والصين لتقويض هيمنة الغرب والحلول مكانه. أدى هذا الحلف إلى تدهور ظروف معيشة كل الشعوب.
فشلت سياسة أمريكا في استيعاب إيران التي تستخدمها في الحرب على منظمات التطرف وإضعاف العرب، بهدف استمرار هيمنتها على شعوب المنطقة، خاصة في مواجهتها مع الربيع العربي.
كشفت عملية غزة أن كل الإجراءات والتدابير الأمنية الاستباقية لم تكن فعالة، وسياسة بن غوريون في إضعاف دول الطوق وصلت إلى حد الفشل والفوضى. ساهمت هذه السياسات في انتشار وزيادة المنظمات المتطرفة، مما أدى إلى تنامي خطر تشكيل حلف واسع بينها جميعًا يجمعه فقط العداء لليهود، سواء كان سنّي أو شيعي، يتغذى بالفوضى والمخدرات والاعتداء على الشعوب والإرهاب.
لا تستطيع إسرائيل تحمل هذا التهديد الوجودي الذي تقوده إيران، كما أن المجتمع الإسرائيلي لم يعد يتحمل تكرر هذا الهجوم من غزة أو من لبنان أو غيرها. لذلك، ستعمل إسرائيل على توسيع دائرة الحرب لتشمل سورية ولبنان إذا كانت تريد إشراك المجتمع الدولي في فرض سلام كامل مع الجيران، خاصة وأنها ستجبر على قبول حل الدولتين.
الإسرائيليون سيفكرون بالهجرة إذا استمر التهديد، كما أن الدعم والحشد الغربي لن يكون من الممكن تكراره في المستقبل أو في ظروف أخرى. يجب وضع حد للتهديد الأمني، والتراجع عن سياسات العداء للبحث عن حلول. هذا يتطلب تنمية واستقرار دول الجوار وتحويلها لدول مسؤولة، فالتطرف والإرهاب ناتج مباشر عن الاستبداد والتخلف والفساد والجهل واضطهاد الإنسان الذي يمتلكه اليأس، فيندفع للعنف.
لا يمكن الوصول للسلام والاستقرار ما لم ينعم به الجميع، خاصة الشعوب. فكل سلام مع أنظمة فاسدة مستبدة مجرمة ستحرض الشعوب على المزيد من تحميل إسرائيل مسؤولية كوارثها ومعاناتها، فهي مقنعة بأن هذه النظم هي صنيعة النفوذ الغربي والإسرائيلي.
تزايد نفوذ الاقتصاد الصيني المتلازم مع تدني الحريات وحقوق الإنسان، وانتشار الاستبداد والفساد والفوضى في العالم، يزيح بشكل تدريجي الهيمنة الغربية. يعتمد الصينيون على الأزمات والإفلاسات والحروب ونظم المافيات والجريمة والمخدرات لتحقيق هذا الهدف.
خسارة الغرب للعالم الإسلامي ودول الجنوب ستعني انكفاءها وانعزالها ثم خضوعها. فشل الدول وضعفها صار يتسبب في خسائر اقتصادية بعد أن كان يخدم التبادل غير المتكافئ خلال فترة سيادة الاقتصاد الغربي. هذه الفوضى أصبحت مصدراً للإرهاب والهجرات، وأداة لتمدد النفوذ الصيني.
أصبحت الدول المعادية لإسرائيل أقوى، مما أدى إلى تشكيل حلف واسع بقيادة إيران والإخوان المسلمين. هذا التحالف يستخدم منظمات التطرف ويدعمه الصين وروسيا. تعبر معارك 7 أكتوبر عن حلف خطير يهدد إسرائيل وجوديا، مما يجبرها على إعادة التفكير في استراتيجيتها.
نقطة ضعف المحور الشرقي هو الاستبداد واضطهاد شعوبه، بينما تكمن نقطة قوة الغرب في قيم الحرية والديمقراطية. عندما يفكر الغرب في حرب غير مباشرة مع العدو، يجب أن يعتمد على الشعوب ويشجع انتشار الحرية والديمقراطية والنمو. هذا يتطلب استخدام التفوق العسكري الغربي لتقويض القوى والنظم التي تدعم التطرف والإرهاب قبل تحول ميزان القوة العسكرية والتكنولوجية للصين.
الغرب مجبر على إصلاح البنى السياسية والاقتصادية في العالم التابع والتشارك مع الشعوب. الشعوب ملزمة بهزيمة السلطات والمنظمات والفكر المستبد والمتطرف. يجب إعادة التأسيس للهوية الثقافية بما يتناسب مع قيم العصر لتحقيق السلام والاستقرار.
اليوم، الصراع العالمي هو بين رأسمالية استبدادية تمثلها الصين وروسيا والنظم المستبدة، وبين رأسمالية ديمقراطية تسيطر فيها الديمقراطية السياسية. يجب أن يخضع الاقتصاد لمعايير وقيم لاستقرار العالم. حصر أهداف الحرب في غزة لتحقيق السلام وتفكيك منظمات التطرف الفلسطيني، وعزل اليمين المتطرف اليهودي عن السلطة.
توسيع الحرب لتشمل حلف المقاومة في المنطقة، بهدف تفكيك منظمات وميليشيات المقاومة، وإسقاط النظم في سورية ولبنان والعراق، وعزل إيران وتدمير برنامجها العسكري. بناء الاستقرار والسلام عبر نظم تعاون إقليمي واسعة لمواجهة الزحف الصيني.
يجب أن يشمل تغيرات في البيئة الحاضنة للتطرف، مثل الفقر والجهل والتهميش والاستبداد، والإصلاحات الفقهية الإسلامية لتحصين الإسلام من التطرف.
الضغط على النظم في العالم العربي والإسلامي لإجراء إصلاحات ديمقراطية جادة في بنية السلطة، ودعم الشعوب بدلاً من الأنظمة المستبدة. توسيع تحالف الغرب الديمقراطي مع عالم الجنوب، وعزل روسيا والصين سياسياً واقتصادياً لإجبارها على التحول نحو الديمقراطية.
يجب أن يؤكد النظام السياسي الغربي خضوع الاقتصاد والمال للسياسة، لتعزيز دور الثقافة التي توصلنا لمعايير حضارية عالمية. يجب إصلاح النظام العالمي السياسي والقانوني، خاصة نظام الأمم المتحدة وتطوير آلياته التنفيذية.
الطريق الفوضوي للوصول إلى هذه النتيجة سيكون طويلاً ومتعرجاً وشاقاً، لكنه حتمي. نحن نتجه نحو تجاوز عصر تصارع الإسلام والمسيحية واليهودية، والتأسيس لتعاونهم معًا من أجل عالم أكثر تحضراً.
الروابط ذات الصلة
الصراع الإسرائيلي الفلسطيني وتأثيراته
فشل سياسة أمريكا في استيعاب إيران
تحالفات التطرف الإسلامي وإيران
تأثير القوة الاقتصادية الصينية
نستخدم ملفات تعريف الارتباط على موقعنا لمعرفة كيفية تفاعلك معها. بقبولك، أنت توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط هذه