مافيا القمح الروسية السورية: الفساد يتلاعب بقوت الشعب

الفساد في سوريا أصبح أمرًا مسلّمًا به لدى غالب السوريين ومحفورًا في أذهان المهتمين بالشأن السوري، فلطالما أشار نشطاء المجتمع المدني أو المنظمات غير الحكومية إلى أنشطة فساد منظّم تشمل كامل الأراضي الوطنية والممارسة من قبل النظام أو القوى المحسوبة على المعارضة السورية.

لقد قمنا في الهيئة السورية للرقابة الشعبية بنشر تسجيل صوتي لأحد المدنيين المطلعين على إجراءات تخزين وتصدير القمح السوري، والذي أكّد لنا معلومات توضّح إدخال القمح الأوكراني الأقل ثمنًا إلى سوريا ومن ثمّ إعادة تعبئته على أنّه قمح ذو مصدر سوري ومن ثمّ بيعه بالثمن الأعلى وهو ثمن القمح السوري وذلك بغرض الاستيلاء على فارق السعر بين الصنفين.

تفاصيل الفساد في تجارة القمح

فما يحدث كل سنة هو أن مؤسسة الحبوب تستلم حبوبًا من الفلاحين في وقت الحصاد من كل عام، وبالتعاون مع صندوق الائتمان الذي يديره ياسر الحجي، تقوم مؤسسة الحبوب التي تتلقى دعمًا من هذا الصندوق بشراء كميات محدودة فقط من الفلاحين السوريين وما تبقى يتم جلبه من أوكرانيا وتخزينه في ساحة معبر باب الحمام، ثم تفريغه في أكياس سورية وتوريده إلى مؤسسة الحبوب باسم فلاحين وهميين، ثم صرف قيمته، ويتكرر هذا الأمر سنويًا.

قد يعتقد البعض أنّ ما ورد في التسجيل الصوتي ليس إلّا حالة جديدة من حالات الفساد التي اعتاد السوريون عليها، لكن ما هو جديد هنا هو امتداد الفساد إلى درجةٍ باتت فيها تبعاته تمسّ البشرية جمعاء وليس الشعب السوري فحسب كما اعتدنا.

تبعات الفساد على المزارعين السوريين

أشار شهود عيان للهيئة السورية للرقابة الشعبية أنّ امتناع مؤسسة الحبوب عن شراء كامل كميّة القمح المعروضة من الفلاحين يدفع هؤلاء لسلوك عدّة سبُل آملين عدم خسارة كامل منتوجهم وأبرزها:

  1. بيع القمح مباشرة في الأسواق المحلية أو بيعه لتجار القطاع الخاص أو الاحتفاظ به للاستهلاك الشخصي أو المجتمعي.
  2. تهريب القمح إلى خارج البلاد وخصوصًا الدول المجاورة لسوريا حيث يمكن بيعه أو مقايضته بسلع أخرى.
  3. استخدام بعض المزارعين جزءًا من القمح كعلف للحيوانات أو لإعادة الزراعة في الموسم التالي.
  4. قد ينتهي السبيل بالقمح السوري والطحين في الأسواق السوداء، حيث يتم بيعه بأسعار أعلى بسبب جودته أو صعوبة الحصول عليه بشكل رسمي.
  1. وهو الأخطر بنظرنا، الاستخدام من قبل حزب الله المصنف إرهابيًا والمليشيات الإيرانية حيث تخزن هذه المليشيات القمح والطحين لدعم عملياتها اللوجستية وإمداداتها الغذائية.

تأثير الحرب الروسية الأوكرانية على سوق القمح العالمي

عقب الحرب التي شنتها روسيا على أوكرانيا، تأثرت العديد من الدول التي تعتمد في إمداد أسواقها على القمح الأوكراني الأقل ثمنًا. أوضحت دراسة نشرتها وزارة الدفاع الفرنسية Ministère des Armées 2023 أبرز الدول المعتمدة في أمنها الغذائي على القمح الأوكراني مثل مولدوفا، لبنان، الصومال، باكستان، ليبيا، تونس، موريتانيا، ومصر. هذا يعرض الأمن الغذائي لملايين الأشخاص للخطر.

استهداف الموانئ الأوكرانية وسرقة القمح

منذ بداية العدوان الروسي على أوكرانيا، تقوم روسيا باستهداف الموانئ الأوكرانية على البحر الأسود لمنع تصدير القمح الأوكراني. ذكرت العديد من التقارير قيام روسيا بسرقة الحبوب الأوكرانية وإرسالها إلى سوريا. في ديسمبر 2022، قدرت السفارة الأوكرانية في بيروت وصول ما يعادل خمسمائة ألف طن من القمح الأوكراني المسروق إلى سوريا عبر ميناء سيفاستوبول المطل على البحر الأسود في شبه جزيرة القرم. قناة الجزيرة 2023.

الإنتاج المحلي للقمح في سوريا والتبعات الاقتصادية

صرح عبد اللطيف الأمين المدير العام لمؤسسة الحبوب السورية بعدم اعتقاده أنه ستكون هناك صادرات قمح من سوريا لعام 2023 – 2024. قال رئيس الوزراء السوري حسين عرنوس إن محصول القمح في البلاد هذا العام من المتوقع أن يصل إلى مليون طن، مما يضع سوريا في حاجة ماسة إلى استيراد القمح، معتمدة على الصادرات الروسية. قناة الحرة 2022.

استنتاجات حول مافيا القمح في سوريا

بناءً على الشهادة حول امتناع مؤسسة الحبوب السورية عن شراء كامل منتوج القمح من الفلاحين السوريين رغم احتياجها الماس للقمح لسد احتياجات السكان وحول قيام مؤسسة الحبوب باستجلاب قمح أوكراني منهوب وتقوم بإدخاله إلى السوق السورية على أنّه قمح سوري، يمكننا أن نستنتج ما يلي:

  1. إذا كان سعر طن القمح الروسي 216 دولار فهذا يعني أنه من المفترض أن يكون سعر كيلو القمح الروسي في سوريا 0.21 دولار.
  2. إذا كانت حاجة السوق الداخلية في سوريا هي 2.5 مليون طن من القمح وتستورد حوالي 1.5 مليون طن كون الإنتاج المحلي لا يتجاوز المليون طن، يمكننا أن نستنتج أن مؤسسة الحبوب السورية اشترت أقل من نصف طن من القمح السوري من الفلاحين وأدخلت نصف طن من القمح الأوكراني المنهوب باسم فلاحين سوريين وهميين على أنّه قمح سوري وطرحته في الأسواق بسعر الأخير أي بسعر 0.35 دولار للكيلو الواحد.

من المستفيد الحقيقي؟

من هو المستفيد؟ من المسيطر الحقيقي على سوق القمح في سوريا ويضع في جيبه هذه الارباح الطائلة؟ هل الموظفون الصغار أو حتى رؤساء مؤسسة الحبوب وصندوق الائتمان هم مصدر الفساد؟ أم أنه وكما اعتدنا كسوريين هناك مافيا تابعة للأسد هي من تسيطر على سوق القمح، وهؤلاء ليسوا إلا أحجار شطرنج؟ عين الفرات 2022.

تأثير الفساد على الأمن الغذائي العالمي

إلى متى أيها السوريون ستستمرون بدفن رؤوسكم كالنعام في الرمال وقد وصل الفساد إلى لقمة عيشكم؟ المتضرر اليوم من قضية الفساد هذه ليس الفلاحون فحسب، بل كل مواطن سوري يحتاج رغيف خبز ليسد رمقه. إلى متى ستصمت شعوب العالم عن مافيا الحروب التي تتلاعب اليوم بالقمح جاعلةً منه سلاح حرب وأداةً لفرض النفوذ؟ DW 2022.

روابط خارجية: