تحقيق حول محمد الجاسم المعروف بأبو عمشة

في تغريده مثيرة للجدل نشرها الصحفي التركي فاتح أرغين على منصة اكس تم تسليط الضوء على شخصية محمد الجاسم المعروف بأبو عمشة، بعد حصوله على الجنسية التركية. حيث كشف في تغريدته عن تفاصيل مثيرة تتعلق بممتلكاته وأنشطته المدعومة في تركيا، إضافة إلى سلسلة من الاتهامات الجنائية الخطيرة وعدم اتخاذ أي إجراءات قانونية ضده.

تعرّض الصحفي فاتح أرغين لضغوط شديدة من قبل شخصيات ذات نفوذ وعلاقات عميقة في الدولة التركية، في محاولة لإجباره على حذف التغريدة التي نشرها حول أبو عمشة. هذا الأمر يثير تساؤلات حول مدى القوة والنفوذ الذي يتمتع بها ابو عمشة في الأوساط السياسية والاقتصادية في تركيا، وهذا ما دفعنا للتأكّد من المعلومات التي قام الصحفي التركي بنشرها.

في البداية لابدّ من تسليط الضوء على تاريخ محمّد الجاسم وثروته وعائلته قبل توليه أي منصب ومن ثمّ نتحدث عن كيفية تولّيه منصبًا قياديًا في قوات المعارضة، وما آلت إليه ثروته عقب توليه هذا المنصب.

محمد حسين الجاسم والدته غروب من مواليد حماة 1/1/ 1985، المستوى التعليمي ابتدائي حسب استمارة قائد وحدة الصادرة عن المكتب العسكري، ينحدر  من قرية جوصة التابعة لمنطقة حيالين بريف حماة الشمالي، متزوج من ثلاث نساء، ولديه خمسة أولاد، جميعهم مقيمون حالياً في تركيا. رغم أن أبو عمشة وعدد قليل من مقاتليه ينحدرون من قبيلة النعيم العربية، إلا أنهم يقومون بالترويج لأنفسهم على أنهم من القومية التركمانية رغبة في كسب وتأييد أطراف قومية تركية.

 أذرعه هم إخوته الخمسة:

1-فادي المعروف بأبو مالك، من مواليد عام 1979، لا يتولى أي منصب رسمي في الفصيل لكنه يعتبر المسؤول عن استثمارات أبو عمشة في تركيا.

2- مالك المعروف بأبو سراج، من مواليد عام ،1983 الرجل الثاني في الفصيل والذراع الأيمن لأبو عمشة، وكان يتولى الملف الأمني والعسكري بكل تفاصيله.

3- باسل المعروف بعلمدار، من مواليد عام 1986،وهو القائد العسكري لفصيل العمشات في ليبيا.

4-  وليد المعروف بسيف، من مواليد عام 1987، يعتبر الفتى المدلل بين أخوته ولا يتولى أي مهام صعبة أو جدية، وعليه ملفات كثيرة في لجنة رد المظالم وغالبها تتعلق بالنساء والاعتداء الجنسي.

6- يونس المعروف بأبو حمزة. من مواليد عام 1993، وهو قيادي في الصف الأول ضمن فصيل العمشات.

قبل اندلاع الثورة السورية، وحسب شاهد عيان: محمد  الجاسم كان يعمل سائقآ لجرارات الحراثة ( تركتور ) مع والده ( الذي عمل لاحقا برفع سواتر ترابية لقوات النظام) وعمل محمد أيضا على تركس وسيارة شحن عند أبوعفيف من مدينة السقيلبيه هو وأخواته فادي ومالك وباسل، حيث لم يكن يملك حينها سوى دراجة نارية قديمة (ميتور بارت).

كما ذكر أحد أقاربه الذي انضم لاحقاً لفصيله العسكري، أن الجاسم عمل سائق جرافة زراعية ( حصادة). كما يتهم بالعمل “بتجارة الأسلحة عبر طرق التهريب”.

بعد أشهر من الثورة، في أواخر العام 2011، أسس الجاسم لواء مجموعة “خط النار” من أبناء عشيرته “بني جميل”، كفصيل منتم للجيش السوري الحر في ريف حماة  لمواجهة قوات الحكومة السورية،وقد تلقى الفصيل، بحسب المصدر السابق ذاته، دعماً كبيراً في تلك الفترة من عشائر متعددة في السعودية، عبر ضابط منشق عن النظام السوري برتبة رائد، يدعى ماهر النعيمي. كما انتقل في العام نفسه للإقامة مع مجموعته في بلدة حزارين في ريف إدلب الجنوبي، وكانت لهم بعض المشاركات في المعارك الدائرة هناك.

وحسب شاهد عيان بعد أن انتقل محمد الجاسم واخوته ومجموعته إلى قرية حزارين، بدء أبو عمشة مسيرته حيث تعرف على أبو وليد الكويتي ذو الأصول الدرعاوية وداعم لكتيبة شهداء بسقلا، الذي يجمع التبرعات من الكويتيين، وتوطدت العلاقة بينهما فحصل بذلك أبو عمشة على الدعم من أبو الوليد، الذي زوده بصواريخ كراد التي يقوم أبو الوليد بشرائها من جبهة النصرة وفصائل حلب (ومصدر الصواريخ من غنايم مستودعات خان طومان)، فيستخدم  أبو عمشة بعض الصواريخ ويبيع الباقي لأحرار الشام، فأصبح لدى أبو عمشة أربع سيارات حسب الشاهد.

وقد طرد أبو عمشة ومجموعته من عدة مناطق بسبب ممارساتهم سيئة الصيت. وأيام القتال مع جبهة النصرة انسحب أبوعمشة من نقاط في كفرنبل بالاتفاق مع أبو يوسف حلفاية الأمني العام في جبهة النصره ليفتح لمقاتليها الطريق إلى ريف حلب الغربي للوصول إلى حركة حزم، وفعلاً هرب أبو عمشة ومجموعته وانضم إلى جماعة حزم في مدرسة الأتارب في حلب بعد أن باع كامل السلاح الذي كان بحوزتهم وعند تقدم جبهة النصرة لقتال حركة حزم هرب إلى أطمة وانضم إلى عدد من المجموعات ومن ثم انضم إلى جماعة أبو علي سجو رئيس مكتب الارتباط في مجلس القبائل والعشائر السورية. حسب الشاهد.

تنقل أبو عمشة مع كتيبته ضمن عدة تشكيلات عسكرية كبيرة منها جبهة ثوار سوريا، قبل أن يتنقل إلى ريف حلب الشمالي ليعمل ضمن مجموعة عسكرية تابعة للجبهة الشامية، بعد هجوم جبهة النصرة على جبهة ثوار سوريا. كما انضم لاحقًا إلى “فرقه السلطان مراد” كقائد مجموعة.

في العام 2015 كثرت المضايقات التي تعرض لها اللواء من عناصر “جبهة النصرة” التي باتت تعرف اليوم باسم هيئة تحرير الشام، حد ملاحقة الجاسم نفسه ومصادرة أسلحة لوائه وعتادهم وسياراتهم، ما اضطر الجاسم وعناصره إلى الهرب إلى تركيا. وهناك خضع اللواء لتدريبات عسكرية، وتمت إعادة تشكيله مع بداية العام 2016 تحت مسمى “لواء السلطان سليمان شاه”، نسبة إلى جد عثمان الأول مؤسس الإمبراطورية العثمانية. وتلقى اللواء دعماً عسكرياً ومالياً من غرفة عمليات “موم” التي تأسست في تركيا من قبل دول إقليمية وغربية لدعم فصائل المعارضة السورية.

في بداية عام 2016 أعلن عن تشكيل فصيل “لواء السلطان سليمان شاه / العمشات” الذي ينضوي حاليًا تحت راية الفيلق الثاني في الجيش الوطني السوري التابع للحكومة السورية المؤقتة المنبثقة من الائتلاف السوري المعارض. وفي العام ذاته شارك الفصيل إلى جانب القوات التركية في عملية درع الفرات التي أدت إلى احتلال جزء من الأراضي السورية (إعزاز والباب وجرابلس وغيرها)، وفي عام 2018 شارك الفصيل في عملية غصن الزيتون التي أفضت عن احتلال منطقة عفرين السورية ذات الغالبية الكردية، وفي عام 2019 شارك في عملية نبع السلام التركية التي أفضت عن احتلال تل أبيض ورأس العين، وفي أواخر عام 2019 بدأ الفصيل وبأوامر من الحكومة التركية بارسال مقاتليه إلى ليبيا وأذربيجان للقتال إلى جانب الأطراف المؤيدة للحكومة التركية كمقاتلين مرتزقة، حسب منظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” .

بعد سيطرة “الجيش الوطني” على مدن وقرى عديده شمالي حلب وتوسع رقعة نفوذه بدأ الجاسم يظهر بشكل مختلف بسيارات مصفحه ومرافقه مسلحة، فأثار جدلًا واسعًا وردود فعل غاضبة داخل أوساط المعارضين السوريين، وخاصة بعد الاتهامات التي وجهت له بانتهاكات ضد عدة عائلات في مدينة عفرين، وأخرى تتعلق بسيطرة فصيله على أملاك المدنيين من أراض ومنازل.

وجاء في بيان الخزانة الأميركية أن “لواء السلطان سليمان شاه” (المعروف محليا باسم العمشات) يعمل في منطقة عفرين شمال سوريا، “حيث يمارس سيطرة كبيرة على السكان المدنيين”. و”يعرض اللواء سكان هذه المنطقة للاختطاف والابتزاز، واستهدف سكان عفرين الأكراد، وكثير منهم يتعرضون للمضايقات والاختطاف وانتهاكات أخرى إلى أن يضطروا إلى هجر منازلهم، أو دفع فدية كبيرة مقابل إعادة ممتلكاتهم أو أفراد عائلاتهم”.

و”تحت قيادة أبو عمشة، تم توجيه أعضاء اللواء لتهجير السكان الأكراد قسرا والاستيلاء على ممتلكاتهم، وتوفير منازل مهجورة للسوريين من خارج المنطقة الذين غالباً ما يرتبطون بالمقاتلين في اللواء”، حسب الخزانة الأميركية.

وأضافت أن “أبو عمشة كان قد أمر اللواء باختطاف السكان المحليين، وطالب بفدية مقابل الإفراج عنهم ومصادرة ممتلكاتهم كجزء من جهد منظم لتعظيم إيرادات اللواء، ومن المحتمل أن يدر عشرات الملايين من الدولارات سنويًا.

وبسبب ذلك فرضت وزارة الخزانة الأميركية الخميس 17 أغسطس 2023 عقوبات على جماعتين عسكريتين وقادة ومسؤولين فيها لتورطهما في “انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان في منطقة عفرين”، الواقعة في أقصى الريف الشمالي الغربي لسوريا. والجماعتان هما “فرقة السلطان سليمان شاه” و”فرقة الحمزة”، بينما القادة هم قائد الأولى محمد حسين الجاسم الملقب بــ”أبو عمشة” وأخيه وليد، وقائد التشكيل العسكري الثاني سيف بولاد الملقب بـ”أبو بكر”.

فإلى جانب “أبو عمشة” استهدفت العقوبات الأميركية أخيه وليد الجاسم الذي يشغل أيضا دورا قياديا في “فرقة سليمان شاه”، بما في ذلك العمل كرئيس لها، عندما غادر محمد الجاسم من سوريا للقتال في ليبيا.  وفي مناسبات متعددة، يشير تقرير الخزانة إلى أن “المجلس الإسلامي السوري” وجه تهما لوليد تتعلق بالاعتداء الجنسي على النساء، كما أنه “نسق عمليات الخطف والسرقة والفدية”. وفي تسحيل مصور اتهمت ريم الأحمد، زوجة عماد الفهد (أحد عناصر الفصيل )، المدعو سيف باغتصابها.

كما أشار الصجفي التركي فاتح أرغين إلى تورط أبو عمشة في قضية اغتصاب امرأة قامت بتقديم شكوى رسمية مدعومة بفيديو يوثق الحادثة إلى نائب الحكومة المؤقتة إلا أن القضية لم تحرز أي تقدم حتى الآن.

ففي 22 آب/أغسطس 2018، ظهرت زوجة أحد عناصر لواء السلطان مراد، إسراء يوسف خليل (25 عاما)، من ريف حماة، في تسجيل مصور، متهمة الجاسم باغتصابها عدة مرات تحت قوة السلاح والتهديد بتصفية عائلتها، ما أدى إلى إجهاضها لجنينها وهو في شهره الثالث، كما قالت، ومن دون علم زوجها بحوادث الاغتصاب، وكانت إحداها في مقره (الأمنية) حيث طلب الجاسم من زوجها اصطحابها بحجة التحقيق مع إمرأة من حزب العمال الكردستاني ( PKK).

وفيما نفي الجاسم تلك الاتهامات، شكلت قيادات الجيش الوطني لجنة عسكرية قضائية تعهدت بحماية إسراء من تهديدات عناصر الجاسم. لكن “إسراء خطفت في ذلك العام ولا نعلم مصيرها منذ ذلك الحين”، كما ذكر أحد أقاربه، مضيفاً أن “ما أعلمه جيدا هو أن الجاسم كانت له يد في اختفائها”.

وأيضا بسبب الجدل بعد ظهور أبو عمشة المتكرر بسيارات مصفحة، ومرافقة مسلحة، وهو متهم بعمليات سرقة واغتصاب وانتهاكات بحق سكان المناطق التي يسيطر عليها، تم عزله من منصبه في 16 شباط/فبراير 2022 بقرار من اللجنة الثلاثية المفوضة من الفصائل العاملة في الشمال السوري التي تم تشكيلها للتحقيق بانتهاكات فصيل سليمان شاه، ومنعته من تسلم أي منصب من مناصب الثورة لاحقآ بسبب الاتهامات والدعاوى الموجهة ضده، بالإضافة إلى خمسة قياديين بالفصيل وهم وليد حسين الجاسم ( سيف ) ومالك حسين الجاسم ( أبو سراج) وأحمد محمد خوجة وعامر عذاب المحمد وحسان خالد الصطوف (أبو صخر ).

وقد أكد عمليات السرقة والاغتصاب، وبيع المعدات العسكرية والمصفحات، والابتزاز عن طريق السجن والتعذيب، التي قام بها أبو عمشة واخوته وعناصره، كل من عمار محمد العمر ( أبو رشا ) وولده محمد ( صهر أبو عمشة ) بتصريحاتهم في تسجيلين مصورين. وحسب التقرير الذي نظمته منظمة سوريون من أجل الحقيقة والعدالة عن أبوعمشة فقد ثبت تورط أبو رشا نفسه بتجارة المخدرات بالاتفاق مع أبو عمشة.

ونبين هنا مصادر الكسب غير المشروع واستغلال السلطة لمحمد الجاسم ” أبو عمشة ” وأشقائه حسب تقرير عن التحقيق الذي قامت به منظمة سوريون من أجل الحقيقة والعدالة:

أولا- أموال من الانتهاكات المرتكبة داخل منطقة الشيخ حديد:

1- عمليات الاعتقال والخطف بهدف الابتزاز وجمع المال.

2- مصادرة المنازل وطلب المال لاستردادها.

3- فرض الضرائب على المحاصيل الزراعية.

4- أتاوات مقابل الحصول على مياه صالحة لسقاية المزروعات.

5- استيلاء على محلات تجارية وتجارة المحروقات.

ثانيا – اتجار بالبشر والمخدرات والتهريب من وإلى تركيا.

ثالثا – اختلاس من دعم الفصيل، واختلاس من الدعم المقدم إلى المقاتلين المرتزقة في أذربيجان، واختلاس من الدعم المخصص في ليبيا ومشاريع فيها.

رابعا – انتهاكات في ليبيا وتتمثل بتجارة المخدرات وعمليات سلب ونهب في مناطق حدوث المعارك.

خامسا – مشاريع في ليبيا ومنها استثمار في مجال الرخام والحجر الطبيعي.

سادسا – التجارة والاستثمار غير المشروع في سوريا وتركيا:

1- استثمارات في تركيا:

  • مكاتب تحويل أموال: مكتب في سوريا في بلدة الشيخ حديد مقابل جامع الشيخ حديد، وله أفرع في كلس واستنبول والريحانية.
  • مكتب تجارة سيارات: مكتب لتجارة السيارات في الريحانية وأوكله إلى أحد قادته وهو حسان خالد الصطوف، ويملك بالشراكة مع قائد فصيل أحرار الشرقية شركة السفير للسيارات في استنبول وتملك مكاتب في كلس وغازي عنتاب وأورفة.
  • شركة عقارات ومطعم: يملك مكتب عقاري نفذ مشاريع في كلس، وافتتح مطعم البوادي في منطقة الريحانية.
  • استثمارات داخل سوريا:
  • مول تجاري: مول الشيخ حديد التجاري جنوب البلدة.
  • مقهى: ” باسم قهوة دوار رجب طيب اردوغان ” قرب جامع الشيخ حديد.
  • مزرعة خيل.
  • منازل تستخدم لعملية التهريب: منزلين على الطريق العام بين جنديرس والشيخ حديد.

وأنباء عن امتلاكه محل صياغة ذهب في الريحانية. وبحسب ما نشره الصحفي فاتح أرغين، يمتلك أبو عمشة محمد الجاسم عقارات في مدينة الريحانية التركية. وقام  بشراء منزلين صيفيين في منطقة مرسين ميزيتلي، وتزوج من فتاة سورية تبلغ من العمر 13 عامًا في عام 2023 بمدينة الريحانية التركية. وتم دفع مبلغ 50 ألف دولار وكيلوغرام من الذهب بالإضافة إلى سيارة كمهر للعائلة، مع إقامة حفل ضخم ضم فرقة مكونة من 40 شخصًا.

المراجع :