أمريكا ودورها في قيادة العالم

أمريكا، بشكل خاص، والعالم الغربي عموماً لا يستطيعون التراجع، حيث إن الحضارة التي يقودونها ستصبح مهددة إذا انكفأت وتراجعت أمام قوى جديدة عمياء لا تملك رؤية ولا حلول لمشاكل العالم التي تزداد تعقيداً. إن تطور الحضارة الإنسانية السريع جداً بسبب القفزات التكنولوجية يجب أن يتواكب بتطور سياسي موازٍ يسير بالعالم نحو أشكال أرقى من الأنظمة التي يجب أن تكون عالمية الطابع، فالعالم متشابك ومتداخل بشدة في كل شيء، والسياسة ما تزال تراوح عند نتائج الحرب العالمية الثانية.

الولايات المتحدة الأمريكية يجب أن تستمر في قيادة العالم بقوتها الاقتصادية والتكنولوجية والعسكرية، والأهم من ذلك، قوة وتفوق منظومتها الإدارية والقيمية والحقوقية، التي يجب أن تشكل نواة النظام العالمي الجديد. الولايات المتحدة التي تدخل في مواجهة قاسية مع قوى عالمية صاعدة، يجب أن تبحث عن وسائل جديدة ومبدعة للعولمة السياسية، وأن تشارك شعوب أخرى من العالم سياسياً كما هي مشتركة اقتصادياً وأمنياً. يجب أن تفكر بالخروج خارج حدودها السياسية، وتضع خطة للتوسع لتصبح نواة تشكل دولة العالم بخطى مدروسة وعقل متجه نحو المستقبل متجاوزاً الماضي. أوروبا العجوز ما تزال تقيد نفسها بنظمها القومية التي تسببت بحروب عالمية، بينما أمريكا قفزت نحو دولة العقد والمصالح، وهي منفتحة على كل الثقافات ولا تهتم بالهويات والديانات التي تقسم العالم وتغذي صراعاته.

سوريا والحاجة إلى الحلول العالمية

في السياسة لا توجد مسألة ليس لها حلول. البعض يظن أن سوريا المحطمة والمدمرة والممزقة قد تحتاج لعقود ومسار طويل ومعقد كي تستطيع الخروج من مأساتها، وإلى جهود وسخاء يقوم به الآخرون وهذا غير متوفر. لكن هذا التصور الذي يبدو منطقياً، لا يمكن اعتباره مساراً حتمياً إذا فكرنا خارج الصندوق. هنا سوف نوضح أن وضعها المذري هذا وشبه الميؤوس منه هو بذاته ما يؤهلها لقفزة وإعادة بناء على أرقى النماذج بعد كل هذا الخراب، فقط إذا وجدت الشريك والحليف القوي الذي يستطيع توظيف طاقاتها وجني ثمار استثماره فيها. حسابات الربح والمنافع هي ما تحرك السياسات، والتي سنقوم بشرحها منطلقين من الواقع الراهن بما يطرحه من إمكانات وخيارات.

سوريا اليوم: دولة فاشلة

سوريا اليوم دولة فاشلة تمزقها الحروب وأطماع دول الجوار، شعبها مشرد ومحاصر، وبقية دول المنطقة حولها تضربها الفوضى والأزمات والصراعات. المنطقة كلها تبدو كرمال متحركة يصعب الدخول فيها، وهي تصدّر مجموعة أزمات ومشكلات للعالم رغم حيوية مكانها وغنى مصادرها وتنوع إمكاناتها.

هذه المنطقة كانت بشكل متكرر مصدر الحضارة، كونها قلب العالم القديم وملتقى القارات الثلاث. فشلها الراهن قد حدث نتيجة عملية التطور المشوه المصطنع، الذي أدخلت فيه تحت عنوان حداثة مفروضة بقوة الاستعمار ولصالحه.

إنه فشل بفعل خارجي بدأ بالاستعمار، واستمر بأنظمة تابعة له مستبدة وفاسدة دمرت كل مقومات الحياة الاجتماعية والثقافية والقيمية والاقتصادية والأمنية. أنظمة قامت الثورات عليها لكنها فشلت بسبب عدم قدرة تلك الثورات على التخلي عن موروثها الثقيل الذي يجرها للماضي ويعيقها عن التحرك للأمام، تلك النزعة الرجعية تشكلت كردة فعل على همجية التحديث المفروض من الخارج وبالقوة. الخروج من هذا الاستعصاء بآليات الحركة الداخلية يعتبر صعباً وربما يكون مستحيلاً بسبب ضعفها وبسبب الصراع العالمي عليها وانتقاله لداخلها. لذلك فإن تصميم مسار الخروج يجب أن يعتمد على مساعدة من جهة قوية في الخارج، لها مصلحة في بناء شراكات مع هذه المنطقة الهامة والحيوية في هذا العالم.

المصلحة العالمية وحاجة الغرب

العالم الغربي المهيمن يعاني من ضيق وأزمات بعد تقلص حصته من التبادل غير المتكافئ الذي كان يمده بالرفاهية على حساب فقر الجنوب ومنه سوريا وغيرها. لطالما كانت رفاهية العالم الأول واستقراره مرتبطة بعلاقته غير المتكافئة مع اقتصادات الدول التابعة التي تدور في فلكه. فهو محكوم بتلك الرابطة التي تبدلت شكلاً من الاستعمار والاحتلال إلى التبعية، ثم انتقلت للفوضى والفشل، والتي تحتاج لصيغ جديدة من الشراكة تعيد الأمور لنصابها. إعادة بناء الدول الفاشلة وإعادة دمج اقتصادها مع العالم الأول لمصلحة كلا الطرفين هي الحل، بدلاً من الهروب والتقوقع وفق سياسات دفاعية انعزالية للحد من هجرة الجنوب للشمال. يجب الاستثمار في تطوير الجنوب وجعله شريكاً للشمال، ونقل الحضارة والازدهار إليه، عبر نشر وترسيخ القيم والمعايير التي أنتجتها الحضارة في العالم الثالث.

الحاجة إلى التحالفات العالمية

الغرب الديمقراطي المهيمن على الحضارة العالمية منذ قرون، والذي يعتبر رائدها، يتعرض اليوم لمنافسة شديدة بل غزو اقتصادي من قبل الصين وعدة دول أخرى وجدت طريقتها المستقلة للوصول لمصاف الدول الصناعية والمصدرة. لم يعد بإمكان الغرب الديمقراطي الصمود أو النصر في مواجهتها من دون بناء تحالفات عالمية واسعة قادرة على عزل الخصم المنافس الذي لا يؤمن بالحرية والديمقراطية، تمهيداً للتغلب عليه وإجباره على الانضمام لمسار الحضارة الديمقراطية. انتصار هذه الحضارة وبقاؤها مرهون بقدرة الغرب على قيادة العالم وتوظيف طاقات الشعوب ونشر قيم الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان. بذات الدرجة التي يحتاج فيها للصمود الاقتصادي والتقدم الذي يديم استقراره الداخلي، الحركة نحو الأمام هي الوسيلة الوحيدة التي تجعله يتجاوز هذا المأزق.

التحالف مع سوريا كنموذج للنجاح

في هذا العالم المتنافس والمتصارع، لا مكان للضعيف والصغير. البقاء غير ممكن إلا للمنظومات الكبيرة القادرة والتي تتطلب توحداً اقتصادياً وأمنياً وسياسياً. الصغير والضعيف سيذوب ويضمحل ويبتلعه الأقوياء، والغرب يجب أن يبحث عن الشراكة معه وضمه، بدل تركه ينهار ويتحول لحطام تتغذى عليه الدول المنافسة. هذه الشراكة تتوافق مع مسار التاريخ وفي اتجاهه الطاغي.

العولمة السياسية وحتميتها

العولمة التي تحطم الحدود وتوحد العالم يجب أن تجد طريقها للعولمة السياسية عاجلاً أم آجلاً. هذا لا بد أن يبدأ من مكان ما وبطريقة ما، ربما عبر تطوير صيغ النظام العالمي وتطويرها تدريجياً لمستوى أرقى بشكل عام. لكن ذلك يصطدم بل يتحطم بسبب الصراع الشرس الطاغي اليوم بين معسكرين وداخلهما. هذا المسار ينتظر انتصار طرف على طرف، وهذا الانتصار لا يمكن لأي طرف تحقيقه إلا عبر المشاركة مع دول العالم الثالث التي هي عملياً خارج ميزان القوة بين المعسكرين. لذلك فإن مزيداً من العالمية هو المخرج والوسيلة لتحقيق الانتصار، ويجب البدء من نموذج يمكن التوسع فيه، أي مع دول محددة جاهزة بل بأمس الحاجة لهذه الشراكة، ثم ضم دول جديدة بمقدار نجاح التجربة.

الخطوات العملية لتحقيق الشراكة

  • تشكيل لجنة إعداد وإشراف مقرها الولايات المتحدة.
  • تعزيز التواجد العسكري والسياسي الأمريكي في سوريا.
  • التحالف مع قوى في الشعب السوري تؤيد ذلك المشروع.
  • مساعدة تلك القوى لإقامة سلطة انتقالية بناء على القرار 2254.
  • دعوة الشعب السوري لاستفتاء في الداخل والخارج على الانضمام للاتحاد الفيدرالي الأمريكي العالمي.
  • توقيع اتفاق شراكة مع الإدارة الأمريكية مدته خمس سنوات.
  • بمجرد الموافقة وتوقيع الاتفاق تنتقل السلطات الفيدرالية لتشرف على إعادة بناء سوريا وفقاً للمعايير والشروط المعتمدة.
  • إعادة اللاجئين وتعزيز روابط المهاجرين بالوطن الأم.
  • مساهمة المؤسسات الأمريكية في إعادة بناء البنى التحتية والخدمية، كما يساهم الاقتصاد الأمريكي في الاستثمار في سوريا.
  • خلال خمس سنوات ستكون سوريا قد سارت على السكة الصحيحة.
  • بعد خمس سنوات يجرى تقييم، ثم يصوت الشعب الأمريكي على انضمام الولاية 51 للاتحاد بناء على اقتراح من الإدارة الأمريكية.
  • خلال خمس سنوات أخرى ستكون سوريا قد سددت كامل كلفة إعادة بنائها وانتقلت لمرحلة النمو الذاتي.
  • توسيع علاقاتها في المنطقة والتي ستعود على الاقتصاد الأمريكي بفائدة جمة تقدر بتريليون دولار سنوياً كبداية.
  • ضم دول أخرى في المنطقة للاتحاد بما فيها دولة إسرائيل. لتصبح ولاية بلاد الشام (The Levant) أول دولة تنضم للاتحاد الفيدرالي العالمي.

صور من المستقبل

سوريا المستقبل: أفضل جامعات، أفضل مشافي، أفضل مختبرات، مصانع، شركات تسويق، أطيب منتجات زراعية، وأجمل المنتجعات. لديها نخبة متفوقة ومبدعة موزعة في دول العالم وتستقطب خيرة النابغين والمتفوقين من المنطقة. لديها جيش قوي مدرب ومجهز لكبح جماح كل عدوان في المنطقة. تجر معها مجمل العالم العربي نحو المشاركة الفعالة في الحضارة وبناء نظام العالم المتحضر. إذا توصلت للسلام مع إسرائيل، ستصبحان نموذجاً ورافعة للسلام والتقدم في المنطقة والعالم.

صور من الواقع الراهن

سوريا ساحة لأبشع أنواع الجرائم، شعبها بين قتيل ومخطوف ومحاصر ومشرد، محتلة من جيوش أربع دول، تحكمها عصابات إجرام وإرهاب. 80% من شعبها يعيش على المساعدات. لا ماء، لا كهرباء، لا تعليم، لا صحة. تصدر اللاجئين رقم واحد في العالم، وكذلك رقم واحد في تصدير الإرهاب، وفي تصدير المخدرات. وصمة عار في جبين الإنسانية، مصيبة لا يريد أحد السماع عنها. ولأنها كذلك ستكون هي الأرض المناسبة لإعادة بناء كل شيء بشكل مختلف لو وجد البناء المحترف الذي سيكتشف عظمة ما بناه من هذا الحطام.

التكلفة والفوائد

أقل من ربع تكلفة احتلال العراق والخروج منه صفر اليدين. الوسيلة حضارية، والفوائد مركز حيوي وأساسي في قلب العالم القديم. عائد سنوي لا يقل عن تريليون دولار. المساعدة في تطوير الدول المجاورة لتجاوز أزماتها والكف عن تصدير المشكلات واللاجئين. منها تمتد شبكة فعالة باتجاه العالم العربي والعالم الإسلامي وأفريقيا وجنوب آسيا. لديها علاقات قوية مع أوروبا. تحمي ممرات المنطقة المائية، ومصادر الطاقة وخطوطها. تكبح جماح أي منظمة إرهابية وتحارب الإرهاب. تكون منارة للإسلام المعتدل من عاصمة أول دولة عربية مسلمة، أقدم مدينة تجارية في التاريخ (دمشق).

إعداد الدكتور كمال اللبواني


الروابط الخارجية

الولايات المتحدة الأمريكية

التحالفات الدولية

النظام العالمي الجديد

العولمة السياسية

إعادة إعمار سوريا

الاقتصاد الأمريكي

الديمقراطية والحرية

النمو الاقتصادي

حقوق النشر © 2024 الدكتور كمال اللبواني. جميع الحقوق محفوظة.