ما ترونه في الصورة هو تهجير قسري ممنهج لأحياء حلب الشرقية !!!
لتفرغ أحياء هذه المدينة من سكانها بالكامل وتعود تحت سيطرة النظام، بعد أكثر من أربع سنوات من سيطرة المعارضة عليها.
تمر ذكريات الخسارات على السوريين في كل عام ثقيلة ومتعبة، ورغم أن تبعات هذه الخسارات مادياً ونفسياً مستمرة كل يوم، إلا أن الذكرى السنوية في عصر الصور والتسجيلات المصورة والمنصات الكثيرة لسرد الأوجاع؛ تحقن النفوس المرهقة بجرعة كبيرة من الألم. وهذا حال عشرات آلاف الحلبيين الذين كانت ذكرى تهجيرهم ماثلة في ذاكرتهم حية على مر السنوات.
تهجير قسري لأحياء حلب
قبل سبعة أعوام بالضبط، غادرت أسرة عبد الكريم عرب مدينة حلب إلى أجل غير مسمى، حيث حملت الأسرة على عجل ما تبقى من ملابس ووثائق رسمية والقليل من المال من منزلهم بحي المشهد، بعد أن أطبق النظام السوري حصاره الكامل على المدينة في ديسمبر/كانون الأول 2016.
عبر الحافلات الخضراء التي باتت رمزًا للتهجير القسري في سوريا، رحلت الأسرة مع آلاف المدنيين والعسكريين من مقاتلي المعارضة نحو ريف إدلب، حيث حط بهم الرحال لمواجهة ظروف النزوح وشظف العيش، في ظل غلاء المعيشة واكتظاظ السكان القادمين من أنحاء سوريا جراء موجات التهجير المتلاحقة التي فرضها النظام على سكان المناطق التي سيطر عليها.
أكبر عملية تهجير قسري في سوريا
الناشط وسيم الحاج – مهجّر من حلب وأحد منظّمي حملة “راجعين بلا أسد” – قال لموقع تلفزيون سوريا إن “الحملة تهدف إلى التذكير بمأساة تهجير أهالي مدينة حلب، أعرق وأقدم مدينة في العالم، وإظهار إجرام نظام الأسد في ممارسة سياسة القتل والحصار والتجويع ومنع دخول المساعدات الإنسانية”.
شكل خروج السكان من أحياء حلب الشرقية بفعل الاتفاق الذي تم مع الروس والإيرانيين أكبر عملية تهجير قسري منظم في سوريا منذ عام 2011، كما شكل ضربة موجعة لفصائل المعارضة في حلب، والشمال السوري بشكل عام، والتي فشلت في كسر الحصار عن الأحياء المحاصرة، كما فشلت في شن أي هجمات مضادة.
واقع ما قبل التهجير
عاشت الأحياء الشرقية من مدينة حلب حصارًا خانقًا، فرضته عليها قوات النظام وروسيا والميليشيات المدعومة من إيران و”وحدات حماية الشعب”، واستمر الحصار نحو أربعة أشهر، عانى فيه أهالي المدينة فقدان الأغذية والأطعمة والأدوية وحليب الأطفال، بالإضافة إلى ندرة توفر مياه الشرب والكهرباء والوقود.
لم تكن هذه كل المعاناة، بل رافق تدهور وضع أهالي أحياء مدينة حلب الشرقية عمليات عسكرية وقصف جوي ومدفعي وصاروخي – لم يتوقف أساسًا –، وحرب إعلامية مدروسة لترويع الأهالي والفصائل، كل ذلك على مرأى ومسمع المجتمع الدولي الذي لم يبخل بتقديم التصريحات والتنديدات والتحذيرات!
الهجوم البري وتهجير المدنيين
في منتصف شهر تشرين الثاني، بدأت قوات النظام بمساندة من ميليشيات إيرانية وعراقية ولبنانية وفلسطينية، بالهجوم البري على أحياء حلب الشرقية الواقعة تحت سيطرة فصائل المعارضة. في 27 و28 من الشهر ذاته، سيطرت القوات على أحياء مساكن هنانو والحيدرية والإنذارات والصاخور، بينما سيطرت “وحدات الحماية” على أحياء بعيدين وبستان الباشا وعين التل والهلك.
وفي 12 ديسمبر 2016، كانت قوات النظام قد سيطرت على أحياء الشعار والمرجة والشيخ لطفي وباب النيرب وباب الحديد ومعظم أحياء حلب القديمة والشيخ سعيد والصالحين والفردوس والجلوم والمعادي، وبذلك تم حشر عشرات الآلاف من السكان والمقاتلين في 6 مناطق فقط هي: (صلاح الدين، والأنصاري، والسكري، والعامرية، وجزء من سيف الدولة، وجزء من الإذاعة)، بمساحة لا تتجاوز 2 أو 3 كيلو متر مربع.
تهجير قسري برعاية دولية
بعد اشتداد الوضع على الأهالي والفصائل، اضطروا للموافقة على مبدأ التهجير القسري لعدم وجود بديل عنه. كانوا قد رفضوا قبل ذلك خلال أسابيع عديدة الخروج عبر معابر أعلنت عنها روسيا ونظام الأسد، حيث لم يأمنوا على أنفسهم من الاعتقال أو الإعدام الميداني، فيما استهدف برصاص القناصة العديد ممن حاولوا الخروج.
الغدر الإيراني والتنكيل بالمدنيين
مع خروج القافلة الأولى من مهجري أحياء حلب الشرقية، اعترضت ميليشيات إيرانية ومن حزب الله اللبناني القافلة واحتجزتها وقامت بالتنكيل بالعديد من أفرادها واختطفت البعض الآخر، وأطلقت النار على إحدى سيارات الإسعاف وأوقعت ضحايا بين المدنيين، وعطلت خروج الدفعة الأولى وأعادتهم إلى الحصار مطالبة بضم أهالي بلدتي (كفريا والفوعة) المواليتين في ريف إدلب إلى الاتفاق، والموافقة على خروجهم إلى مناطق سيطرة النظام.
بعد الحادثة، تعدّل اتفاق تهجير أهالي حلب الشرقية، حيث اتُفق على تهجير نصفهم مقابل إخراج دفعة تضم 1250 شخصًا من الفوعة وكفريا، ثم تهجير النصف الآخر مقابل إخراج 1250 شخصًا أيضًا من البلدتين، بينما ستضم الدفعة الثالثة 1500 شخص من الفوعة وكفريا، يقابلهم 1500 شخص من مدينتي مضايا والزبداني في ريف دمشق.
حالة المدنيين وتنكيل النظام الغاشم
حاولت قوات النظام وميليشياته الطائفية أكثر من مرة عرقلة عمليات التهجير، وفي كل مرة كانت العرقلة تتسبب بوفاة أشخاص إما بإطلاق الرصاص أو الأحوال الجوية الصعبة وظروف الجوع والمرض الناجمة عن حصار الأهالي من قبل النظام وميليشياته.
وُصفت أوضاع المهجرين من حلب بأنها كانت “مزرية للغاية”، حيث كان معظمهم يعانون من الأمراض بسبب الحصار. في إحدى عرقلات الخروج، توفي ثلاثة مدنيين بينهم رضيع عمره ساعات في أحياء مدينة حلب، بسبب غياب الرعاية الصحية وانخفاض درجات الحرارة.
مصير من سلم نفسه إلى النظام هربًا من الحصار والتهجير
رغم دعوة روسيا والنظام المتكررة للأهالي – عبر الإعلام والقصاصات الورقية المرمية من الطائرات – للخروج من مناطق المعارضة بحلب إلى مناطق سيطرة النظام عبر “المعابر الآمنة”، إلا أن الكثير من المستجيبين واجهوا ما هو متوقع فعله بهم من قبل النظام. اعتُقل العديد من الشبان تعسفياً دون ورود أي خبر عنهم منذ ذلك الوقت، وأعيد اعتقال العديد ممن أفرج عنهم إثر ذلك، فيما تمت تصفية البعض الآخر أو وفاتهم تحت التعذيب في سجون نظام الأسد.
التغييرات الديموغرافية للمناطق المهجرة قسريًا
مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان، رامي عبدالرحمن، قال في تصريحات لموقع “الحرة” إن “التغييرات الديمغرافية طالت العديد من المدن في سوريا بما في ذلك العاصمة دمشق وريفها”.
وأضاف أن التركيبة السكانية تم تغييرها بشكل ممنهج في مدن وقرى “عفرين ورأس العين ومنطقة البوكمال والميادين وتغييرات بقسم من دير الزور، وحلب وريفها وحمص”.
وأوضح عبدالرحمن أن عفرين التي تتبع حلب تعتبر من أكثر المدن التي تم تهجير سكانها الأصليين و”توطين سكان من التركمان وسوريين من محافظات أخرى وفلسطينيين كانوا موجودين في سوريا”.
تأثير التغييرات الديموغرافية
يتهم الأكراد تركيا بممارسة التهجير العرقي. يقول محللون لوكالة فرانس برس إن أنقرة تسعى لتحديد منطقة تعيد إليها اللاجئين السوريين الموجودين على أرضها، بالإضافة الى إبعاد الأكراد عن حدودها.
يكشف المرصد في تقرير نشره مؤخرًا أن التغييرات الديموغرافية التي تشهدها حلب تتم باستراتيجيات وأدوات تركية التي تسيطر على المنطقة كلها، والتي يساندها دعم “قطري وفلسطيني” بذريعة عمل المنظمات الإنسانية.
القرى السكنية وعمليات التوطين
أعلن مؤخرًا عن افتتاح “قرية الأمل2” في ريف عفرين والتي تضم 500 وحدة سكنية ومدرستين وحدائق ومستوصف ومسجد، فيما سبقها بناء مجمع سكني يضم 200 منزل مسبقة الصنع والذي تعاون في إنشائه “فصيل أحرار الشام” الموالي لتركيا ومنظمة “أجنادين” الفلسطينية وفصيل “أحرار الشرقية”.
دعوة للتوحد والتحرك
على القوى الثورية والمدنية في سوريا أن تتحد للتحرك ضد هذه السياسات والتغييرات الديموغرافية التي تستهدف استقرار ومستقبل سوريا. الشعب السوري لن ينسى معاناته وسيستمر في نضاله لتحقيق الحرية والكرامة.
يتبع ….