واقع الإدارة في المناطق المحررة في الشمال السوري

أصبح واقع الإدارة في المناطق المحررة في الشمال السوري مثار جدل ومقارنة بين الإدارات المختلفة. ففي الوقت الذي تنفرد فيه هيئة تحرير الشام بإدارة المناطق المحررة في إدلب وما تبقى من أرياف حماة وحلب والساحل من خلال واجهة ما يُسمى حكومة الإنقاذ، تهيمن على جميع الملفات بما فيها الملف العسكري الذي أخضعت فيه جميع الفصائل لإدارتها المركزية. في المقابل، تتنازع الفصائل المنضوية تحت اسم (الجيش الوطني السوري) للسيطرة على مناطق الشمال الحلبي وشرق الفرات (عفرين، إعزاز، الباب، جرابلس، تل أبيض، رأس العين)، وتمارس الحكومة المؤقتة بعض النشاطات التي لا ترقى إلى مستوى المأسسة أو الإدارة الحقيقية، بالإضافة إلى ضعف مؤسسة الجيش الوطني السوري وعدم قدرتها على الانتقال بمكوناتها العسكرية إلى مرحلة الجيش النظامي وإخضاعها لقيادة مركزية تساهم في تعزيز الاستقرار.

مشاكل القضاء في المناطق المحررة

في ظل هذا الواقع، تجري مناقشات عبر منصات إخبارية واجتماعية حول واقع الإدارات في الشمال المحرر والموقف من الجهات المهيمنة على المشهد العسكري والإداري. موقف الشعب والشارع الثوري الواسع يُجمع على كارثية الحال.

تتعدد مشاكل القضاء، حيث يشير الناشط علي الحلبي في حديثه لـ”العربي الجديد” إلى “تسييس القضاء بحسب القوى الحاكمة على الأرض”. هناك أشخاص غير جديرين بأن يكونوا قضاة، فرضتهم بعض الفصائل، ومنهم من لا يحملون حتى شهادة جامعية. نقطة الضعف الأبرز هي تدخل الفصائل في عمل القضاة والضغط عليهم، ليصل الأمر إلى درجة القتل. يضيف أن “الأهالي يصبرون بسبب غياب أي بدائل حالياً، فالحكم والقانون ينفذان بحق الضعيف الذي ليست لديه وساطة أو مال”. ويعتقد بأن “إصلاح القضاء يكون بوجود قضاة ثوريين تؤَمَّن الحماية لهم”.

يتحدث الأستاذ الجامعي محمد نور حمدان لـ”العربي الجديد” قائلاً: “الأركان الرئيسية للقضاء حتى يكون فاعلاً هي استقلالية القضاء، وتوفر قوة تنفيذية لتطبيق قرارات القضاء وأحكامه، وكفاءة القاضي ونزاهته وحمايته”. يضيف أن “من الصعوبات التي تواجه المؤسسة القضائية التخبط في مرجعية القانون. فالمنطقة غير مستقرة والسلطة التنفيذية ضعيفة وعاجزة عن حماية القاضي”. ويشير إلى أن “هزالة المؤسسة القضائية وعدم قدرتها على تطبيق القانون على كل من يخرقه أو يمارس تجاوزاً عليه، يحولانها إلى سلطة تنظيمية لعلاقات الناس القانونية أكثر مما هي سلطة لتطبيق القانون”.

الانتهاكات في عفرين

تتواصل الانتهاكات اليومية بحق السكان الأصليين في عفرين المحتلة من قبل دولة الاحتلال التركي ومرتزقتها الإرهابيين، من قتل وخطف وتهجير إلى فرض الإتاوات ومصادرة الممتلكات والاعتقالات التعسفية وتهجير مئات الآلاف من سكانها الأصليين والتغيير الديموغرافي لجغرافية عفرين وغيرها الكثير من الانتهاكات.

الجديد في الأمر هذه المرة هو فرض الفصائل الإرهابية مزيداً من الإتاوات على السكان الأصليين ومزارعي الزيتون وسائقي السيارات العامة والخاصة في مدينة عفرين وريفها، بطلب من الاحتلال التركي تحت مسمى “دعم قطاع غزة في فلسطين”، حيث يتعرض من يرفض الدفع إلى الضرب والتنكيل والتهديد بالقتل والاختطاف وغيرها الكثير من الانتهاكات.

الفلتان الأمني في الشمال السوري

منذ سنوات من السيطرة على منطقة “درع الفرات” (ريف حلب الشمالي والشرقي)، لم تهدأ عمليات الاغتيال، إلى جانب التفجيرات بالعبوات الناسفة والسيارات والدراجات المفخخة التي باتت مشهداً يومياً. ولا يقتصر الأمر على هذه المنطقة فقط، بل امتد إلى منطقة عفرين (غصن الزيتون) وصولاً إلى المنطقة التي سيطرت عليها تركيا على الحدود شمال شرقي سوريا (نبع السلام).

بين حشود عسكرية وأمنية

النقطة التي ما تزال محل جدل بين سكان المناطق هي أن عمليات الاغتيال والتفجيرات تتم وسط حشود عسكرية وأمنية كبيرة من الطرفين “الجيش الوطني السوري” والجيش التركي، والتي تعتبر المناطق السورية الحدودية مع تركيا منطقة عمليات أمنية بحتة. فتح هذا أبواب التساؤلات عن الأسباب وراء هذا الفلتان الأمني، إلى جانب إشارات الاستفهام حول الدوافع التي تحول دون اتخاذ إجراءات “حازمة” لوقف هذه العمليات، مما يطعن في مصداقية مسمى “المناطق الآمنة والمستقرة”.

المسؤولية عن الفلتان الأمني

ينضوي ضمن “الجيش الوطني السوري” ثلاث فيالق، وكل فيلق يتبع له عدة فصائل تنتشر في مناطق متفرقة من ريف حلب. وإلى جانبهم، أشرفت تركيا في العامين الماضيين على تشكيل جهازين للشرطة: الأول هو “الشرطة الوطنية” والآخر يسمى “الشرطة العسكرية”. كل هذه الترسانة لم تتمكن حتى الآن من ضبط حالة الفلتان الأمني في مناطقها، دون وضوح الأسباب التي تحول دون ذلك. بينما يتهم ناشطون وصحفيون هذه التشكيلات بالتواطؤ لتسهيل التفجيرات وعمليات القتل مقابل مبالغ مالية.

الانتهاكات في منطقة “درع الفرات”

منذ سيطرتها على المنطقة وحتى اليوم، ما زالت انتهاكات الميليشيات الموالية لتركيا شمال سوريا مستمرة. أفادت مصادر المرصد السوري لحقوق الإنسان بأن مواطناً قتل تحت وطأة التعذيب في سجون الشرطة العسكرية الموالية لتركيا في تل أبيض، بعدما نفذت أمراً بإحضاره إلى مقرها قبل أسابيع، واعتقلته الجهة وقامت بتعذيبه، ثم طالبت ذويه بدفع غرامة كبيرة لإطلاق سراحه إلى أن توفي.

وفي حادثة أخرى، أفادت مصادر المرصد بأن مسلحين من ميليشيا “فرقة الحمزات” الموالية لتركيا، أقدموا على سرقة عدد من منازل المواطنين في قرية “قدا” التابعة لناحية راجو في ريف مدينة عفرين شمال غرب حلب، في إطار تضييق الخناق على من تبقى من أهالي المنطقة لإجبارهم على الخروج منها.

الآثار الاقتصادية والاجتماعية

نتيجة عمليات السلب والجبايات التي تفرضها الفصائل الموالية، تزايدت معدلات الفقر بين المواطنين في عفرين، حيث يرزح 47% من المواطنين السوريين تحت خط الفقر، إضافة إلى ارتفاع معدلات البطالة التي تجاوزت 70%. ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، فقد تعمدت الفصائل استغلال المرافق العامة لجباية الأموال، حيث أنشأ فصيلا السلطان مراد ولواء الشمال أبنية ومحال تجارية في محيط الملعب بمدينة عفرين وأجروها لصالحهم، فيما واصلت تلك الفصائل أعمال الحفر والإنشاءات لاستغلال تلك المرافق العامة الحيوية وتأميمها في المنطقة والانتفاع بعائدها لصالح النفوذ التركي وفصائله.

التغيير الديموغرافي في عفرين

مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان، رامي عبد الرحمن، قال في تصريحات لموقع “الحرة” إن “التغييرات الديموغرافية طالت العديد من المدن في سوريا بما في ذلك العاصمة دمشق وريفها”. وأضاف أن التركيبة السكانية تم تغييرها بشكل ممنهج في مدن وقرى “عفرين، رأس العين، منطقة البوكمال، الميادين، قسم من دير الزور، حلب وريفها، حمص”.

وأوضح عبد الرحمن أن عفرين التي تتبع حلب تعتبر من أكثر المدن التي تم تهجير سكانها الأصليين و”توطين سكان من التركمان وسوريين من محافظات أخرى وفلسطينيين كانوا موجودين في سوريا”. يتهم الأكراد تركيا بممارسة التهجير العرقي. يقول محللون لوكالة فرانس برس إن أنقرة تسعى لتحديد منطقة تعيد إليها اللاجئين السوريين الموجودين على أرضها، بالإضافة إلى إبعاد الأكراد عن حدودها.

يكشف المرصد في تقرير نشره مؤخرًا أن التغييرات الديموغرافية التي تشهدها حلب تتم باستراتيجيات وأدوات تركية التي تسيطر على المنطقة كلها، والتي يساندها دعم “قطري وفلسطيني” بذريعة عمل المنظمات الإنسانية.

أعلن مؤخرًا عن افتتاح “قرية الأمل 2” في ريف عفرين التي تضم 500 وحدة سكنية ومدرستين وحدائق ومستوصف ومسجد، فيما سبقها بناء مجمع سكني يضم 200 منزل مسبقة الصنع والذي تعاون في إنشائه “فصيل أحرار الشام” الموالي لتركيا ومنظمة “أجنادين” الفلسطينية وفصيل “أحرار الشرقية”.

دعوة للتوحد والتحرك

على القوى الثورية والمدنية في سوريا أن تتحد للتحرك ضد هذه السياسات والتغييرات الديموغرافية التي تستهدف استقرار ومستقبل سوريا. الشعب السوري لن ينسى معاناته وسيستمر في نضاله لتحقيق الحرية والكرامة.

الروابط والتقارير الدولية