تنبيه
-
أي تواصل معكم من أي بريد الكتروني او رقم هاتف سوى ما ذكرناه في معلومات الاتصال لا يمثلنا!! و لسنا مسؤولين عنه.
بعد فشل الوحدة القومية مع مصر عام 1961، جاءت تسمية الجمهورية العربية السورية كمجاملة للرأي العام العربي والداخلي، الذي كان متأثرًا بدعاية الرئيس المصري جمال عبد الناصر القومية. ومع ذلك، كانت نتائج هذه الفترة كارثية على المنطقة، ولا يزال السوريون يدفعون ثمنها حتى اليوم.
لسنا في وارد الدخول في تفاصيل التجربة الناصرية الآن، ولكن ينبغي إعادة دراستها ومراجعتها من قبل المؤرخين والساسة. ولابد من إزالة نتائجها على الواقع السوري، حيث دفع السوريون ثمنها من دمائهم ومستقبلهم، وما حزب البعث ونظام الأسد ونمط التفكير الشعبي إلا أحد نتائجها الكارثية.
اليوم، بينما يخوض السوريون حرب استقلال دموية لبناء دولة مدنية تعددية، ينبغي إعادة النظر في هوية سوريا الوطنية، خاصة في ما يتعلق بالبعد القومي العربي في صياغة سياساتها الداخلية والخارجية. سوريا، بحكم موقعها الاستراتيجي في قلب ما يعرف بـ”العالم القديم”، يجب أن تبني هويتها وفق مصالحها الوطنية ومصالح شعبها، بعيدًا عن أي تمييز قومي أو ديني.
يجب أن تُعرّف الهوية الوطنية على أساس البعد السياسي والاقتصادي لسوريا، موجهة نحو الدول المؤثرة في الاقتصاد العالمي، مثل الدول الغربية والدول الآسيوية المتطورة والسياسات المعولمة. ينبغي إعادة بناء المجتمع السوري على أسس مدنية غير تمييزية، لقطع الطريق أمام أي تكرار لنظام المحاصصة القائم على التركيبة الدينية والعرقية، والذي أدى إلى فشل الدولة والمجتمع في العراق ولبنان.
الربط بالعروبة يعني أن عمق سوريا بالضرورة سيكون في النظام العربي، الذي يفتقر إلى القيمتين الأساسيتين: الديمقراطية والمدنية. وقد شاهدنا الحضور العربي المدمر خلال سنوات الثورة السورية الطويلة. ربط سوريا بالعروبة وبالمنظومة الرسمية العربية المتمثلة بالجامعة العربية يعني إفشال كافة عمليات البناء الداخلي والبقاء رهينة لسياسات الإقليم والدول المجاورة.
نحن بحاجة إلى فصل تام عن النظام العربي والبقاء في حدود حسن الجوار. عمق سوريا الاستراتيجي يجب أن يكون الاتحاد الأوروبي، الذي استضاف أكبر كتلة من اللاجئين السوريين، وقلب الحضارة العالمية اليوم. كما ينبغي الانفتاح على التعاون مع الدول الآسيوية المؤثرة عالميًا، مما يعني أن هوية سوريا يجب أن تكون متوائمة مع سياساتها المستقبلية.
الربط بالهويات الأخرى، كالتركية أو الكردية أو الطائفية، مثل الحالة العلوية التي استغلتها إيران الثيوقراطية لاحتلال سوريا، أو إعطاء أفضلية لمكون على آخر بحكم التأثير الجيوسياسي، أدى إلى الكوارث التي نعيشها اليوم.
خصوصية سوريا الجيوسياسية والديموغرافية تجعلنا نبحث عن نموذج ناجح لتبنيه في بناء هويتنا الوطنية وإعادة صياغة المجتمع. أحد هذه النماذج هو “التجربة الألمانية” ما بعد الحرب العالمية الثانية، والتي يمكن أن تكون مرجعًا لتحديد نظام إدارة المجتمع والدولة، ونسج السياسات المختلفة، بما فيها العلاقات الخارجية. الفرق أن الدول المنتصرة حينها ساعدت في بناء ألمانيا، وهو عامل غير متوفر حتى اللحظة في سوريا، المحاطة بمحيط معادٍ فعليًا للشعب السوري ورغبته في بناء دولة حديثة وعادلة.
إعادة تعريف الهوية الوطنية السورية يجب أن تكون مبنية على المصالح الوطنية والسياسات المستقبلية المتوائمة مع المجتمع الدولي المتقدم، وليس على روابط قومية أو دينية أثبتت فشلها. النموذج الألماني قد يكون نقطة انطلاق جيدة لإعادة بناء المجتمع السوري وتحقيق السلام والاستقرار.
نستخدم ملفات تعريف الارتباط على موقعنا لمعرفة كيفية تفاعلك معها. بقبولك، أنت توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط هذه