
تنبيه
-
أي تواصل معكم من أي بريد الكتروني او رقم هاتف سوى ما ذكرناه في معلومات الاتصال لا يمثلنا!! و لسنا مسؤولين عنه.
تركيا تصوغ سياستها الخارجية مع مراعاة مصالحها الوطنية وأمنها القومي، بالإضافة إلى التوازنات الداخلية والإقليمية والدولية. ومع ذلك، تظهر التحديات والتناقضات في السياسات التركية الخارجية بوضوح في عدة محاور.
أولاً: أخفقت أنقرة في فرض تغييرات كبيرة أو تحقيق إنجازات ملموسة في ملفات المنطقة الرئيسة، لا سيما الأزمة السورية. تحولت تركيا من دولة ذات تأثير كبير إلى دولة محتلة للأراضي السورية ومحرضة على الفساد والمخدرات عبر الفصائل التي تسيطر عليها في المناطق التي استولت عليها من خلال عملياتها العسكرية (درع الفرات، غصن الزيتون، نبع السلام).
ثانياً: افتقدت أنقرة التحالفات القوية والمستدامة في المنطقة على مدى السنوات القليلة الماضية. ثالثاً: توترت علاقاتها مع حلفائها الغربيين (الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وحلف الناتو) لأسباب متعددة، منها الأزمة السورية ودعم الأكراد، وكذلك الموقف من الانقلاب الفاشل وتبعاته.
رابعاً: تسارع خطوات المشروع الكردي على حدودها الجنوبية يشكل تهديداً كبيراً لأمن تركيا القومي. هذا التحدي يتمثل في تأسيس قاعدة لتدريب مسلحي حزب العمال الكردستاني وإطلاق عملياتهم ضد تركيا من الشمال السوري وشمال العراق والداخل التركي.
وجدت القيادة التركية نفسها في مواجهة تحديات خطيرة ومتزامنة، منها مشروع الممر الكردي في سوريا، والعمليات الإرهابية، والأزمة الاقتصادية في الداخل، بالإضافة إلى الاستهداف الخارجي. هذا الوضع دفع أردوغان إلى إعلان “السفر برليك” أو التعبئة الشعبية العامة لمواجهته.
يمكن إجمال مسار السياسة الخارجية التركية الحالي في ثلاثة عناوين رئيسة: تقليل الخصوم، والتقارب مع روسيا وإيران، وانتهاج القوة الصلبة. لكن إلى أي حد يمكن أن تستمر أنقرة في هذا المسار؟
لا تبدو تركيا في وارد التراجع عن مسار تقاربها مع روسيا وإيران، بل ترغب في تعميق التفاهمات الثنائية ورفع مستوى التعاون مع هذه الدول قدر الإمكان. فمن جهة، تحتاج تركيا إلى استمرار الدعم الروسي والإيراني لعملياتها في سوريا لتحقيق نتائج إيجابية وحمايةً لأرواح جنودها. ومن جهة أخرى، لا يبدو مسار العلاقات التركية/الغربية مبشراً بانفراجات قريبة بعد وصول العلاقات مع الاتحاد الأوروبي إلى شفير القطيعة.
يتجلى بوضوح غياب العمق النظري والتجريبي للعثمانية الجديدة، إذ تستخدم هذه الإيديولوجية الحديثة خطاب الضحية والمراجعة التاريخية في آن واحد. هذا التناقض أدى إلى تبدلات مستمرة في السياسة التركية تجاه سوريا، حيث دعمت تركيا تنظيم الدولة الإسلامية أولاً لمواجهة النظام السوري، ثم غيرت موقفها وانضمت للتحالف الدولي ضده، وتدخلت عسكرياً في عفرين لمنع تشكيل منطقة كردية متصلة.
لم يتخلَّ أردوغان عن أطماعه في الشمال السوري، بل يسعى لجعل هذا الشمال جزءاً من الحدود التركية بصيغة أو بأخرى. كانت عملية درع الفرات تهدف رسمياً لإبعاد خطر داعش والأكراد عن الحدود التركية، ولكن أردوغان أعلن لاحقاً أن الهدف هو إسقاط النظام السوري.
استخدم أردوغان ورقة اللاجئين لتحقيق مصالحه الخاصة، ومنها ابتزاز الغرب بالمال لقاء منع تدفق اللاجئين، وكذلك كسب الأصوات الانتخابية من خلال عمليات التجنيس. اللاجئون يشكلون قاعدة لتغيير البنية الديموغرافية في شمال غرب سوريا عبر إقامة مدن من الطوب.
بعد الانتخابات الرئاسية في 2023، فعّلت تركيا عملياتها العسكرية في الشمال السوري، مما زاد من حدة التوترات الإقليمية. العلاقات التركية مع ألمانيا أيضًا تأثرت بسبب موقف أردوغان من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، مما جعل إسرائيل تعلن إعادة تقييم علاقاتها مع تركيا.
باتت سياسة أردوغان المتذبذبة والمترددة بين أحلامه في إعادة أمجاد السلطنة العثمانية وإبراز العداء لإسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية التي تدعم التواجد الكردي في شمال سوريا محط انتقادات الدول، خاصة الأوروبية منها. ولم يعد بإمكان أردوغان إمساك العصا من المنتصف.
يتبع …
الكاتب: فينوس سليمان
الروابط الخارجية:
نستخدم ملفات تعريف الارتباط على موقعنا لمعرفة كيفية تفاعلك معها. بقبولك، أنت توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط هذه